فصل: من فضائح اليهود وقبائحهم المنكرة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (نسخة منقحة)



.هنيئا لأمة الغضب والضلال بعلومهم وبعلمائهم:

ثم نقول: وما يدريكم معاشر المثلثة وعباد الصلبان وأمة اللعنة والغضب بالفقه والعلم؟ ومسمي هذا الاسم حيث تسلبونه أصحاب محمد الذين هم وتلاميذهم كأنبياء بني إسرائيل، وهل يميز بين العلماء والجهال ويعرف مقادير العلماء غلا من هو من جملتهم ومعدود في زمرتهم؟! فأما طائفة شبه الله علماءهم بالحمير التي تحمل أسفارا، وطائفة علماؤها يقولون في الله ما لا ترضاه أمة من الأمم فيمن تعظمه وتجله، وتأخذ دينها عن كل كاذب ومفتر على الله وعلى أنبيائه، فمثلها مثل عريان يحارب شاكي السلاح، ومن سقف بيته زجاج وهو يزاحم أصحاب القصور بالأحجار، ولا يستكثر على من قال في الله ورسوله ما قال أن يقول في أعلم الخلق أنهم عوام.. فليهن أمة الغضب علم المشنا، والتلمود وما فيهما من الكذب على الله وعلى كليمه موسى. وما يحدث لهم أحبارهم وعلماء السوء منهم كل وقت، ولتهنهم علوم دلتهم على أن الله ندم على خلق البشر حتى شق عليه، وبكى على الطوفان حتى رمد وعادته الملائكة، ودلتهم على أن يناجوا في صلاتهم بقولهم: يا إلهنا انتبه من رقدتك كم تنام، ينخونه حتى ينتخي لهم ويعيد دولتهم، ولتهن أمة الضلال علومهم التي فارقوا بها جميع شرائع الأنبياء وخالفوا بها المسيح خلافا يتحققه علماؤهم في كل أمره كما ستمر بك، وعلومهم التي قالوا بها في رب العالمين ما قالوا مما كادت السموات تنشق منه والأرض تنفطر والجبال تنهد لولا إن أمسكها الحليم الصبور، وعلومهم التي دلتهم على التثليث، وعبادة خشبة الصليب والصور المدهونة بالسيرقون والزنجفر، ودلتهم على قول عالمهم أفريم: أن اليد التي جبلت طينة آدم هي التي علقت على الصلبوت، وأن الشبر الذي ذرعت به السموات هو الذي سمر على الخشبة، وقول عالمهم عرقودس: من لم يقل أن مريم والدة الله فهو خارج عن ولاية الله!!

.فصل: معاصي الأمم لا تقدح في الرسل ولا في رسالتهم:

قال السائل: نرى في دينكم أكثر الفواحش فيمن هو أعلم وأفقه في دينكم كالزنا واللواط والخيانة والحسد، والبخل، والغدر والتجبر والخيلاء، وقلة الورع واليقين وقلة الرحمة والمروءة والحمية، وكثرة الهلع، والتكالب على الدنيا، والكسل في الخيرات وهذا الحال يكذب لسان المقال والجواب من وجوه أحدها أن يقال: ماذا على الرسل الكرام من معاصي أممهم وأتباعهم؟! وهل يقدح ذلك شيئا في نبوتهم أو يغير وجه رسالتهم؟! وهل سلم من الذنوب على اختلاف أنواعها وأجناسها إلا الرسل صلوات الله وسلامه عليم؟! وهل يجوز رد رسالتهم وتكذيبهم بمعصية بعض أتباعهم لهم؟! وهل هذا إلا من أقبح التعنت! وهو بمنزلة رجل مريض دعاه طبيب ناصح إلى سبب ينال به غاية عافيته فقال: لو كنت طبيبا لم يكن فلان وفلان وفلان مرضى! وهل يلزم الرسل أن يشفوا جميع المرضى بحيث لا يبقى في العالم مريض؟! هل تعنت أحد من الناس للرسل بمثل هذا التعنت؟!

.ذنوب الموحدين من المسلمين في جنب عظائم اليهود والنصارى كتفلة في بحر:

الوجه الثاني أن الذنوب والمعاصي أمر مشترك بين الأمم لم تزل في العالم من طبقات بني آدم عالمهم وجاهلهم وزادهم في الدنيا وراغبهم وأميرهم ومأمورهم، وليس ذلك أمرا اختصت به هذه الأمة حتى يقدح به فيها وفي نبيها.
الوجه الثالث أن الذنوب والمعاصي لا تنافي الإيمان بالرسل، بل يجتمع في العبد الإسلام والإيمان والذنوب والمعاصي، فيكون فيه هذا وهذا. فالمعاصي لا تنافي الإيمان بالرسل وإن قدحت في كماله وتمامه الوجه الرابع أن الذنوب تغفر بالتوبة النصوح، فلو بلغت ذنوب العبد عنان السماء وعدد الرمل والحصا ثم تاب الله عليه، قال تعالى: {قُل يا عِبادي الَّذَينَ أسرَفوا عَلى أَنفُسِهِم لا تَقنَطوا مِن رَحمَةِ اللَهِ إِنّ اللَهَ يَغفِرُ الذنوبَ جَميعاً إِنه هُو الغَفورُ الرَحيم} فهذا في حق التائب، فإن التوبة تجب ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتوحيد يكفر الذنوب، كما في الحديث الصحيح الإلهي: ابن آدم لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك به شيئا لقيتك بقرابها مغفرة فالمسلمون ذنوبهم ذنوب موحد إن قوي التوحيد على محو آثارها بالكلية، وغلا فما معهم من التوحيد يخرجهم من النار إذا عذبوا بذنوبهم. وأما المشركون والكفار فإن شركهم وكفرهم يحبط حسناتهم، فلا يلقون ربهم بحسنة يرجون بها النجاة، ولا يغفر لهم شيء من ذنوبهم، قال تعالى: {إِنّ اللَهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرِكَ بِهِ وَيَغفِرُ ما دونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاء} وقال تعالى في حق الكفار والمشركين: {وَقَدِمنا إِلى ما عَمِلوا مِن عَمَلٍ فَجَعَلناهَ هَباءً مَنثوراً} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبى الله أن يقبل من مشرك عملا» فالذنوب تزول آثارها بالتوبة النصوح، والتوحيد الخالص، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة لها، وشفاعة الشافعين في الموحدين، وآخر ذلك إذا عذب بما يبقى عليه منها أخرجه توحيده من النار؛ وأما الشرك بالله والكفر بالرسول فإنه يحبط جميع الحسنات بحيث لا تبقى معه حسنة.
الوجه الخامس:

.من فضائح اليهود وقبائحهم المنكرة:

أن يقال لمورد هذا السؤال إن كان من الأمة الغضبية إخوان القردة: ألا يستحي من إيراد هذا السؤال من آباؤه وأسلافه كانوا يشاهدون في كل يوم من الآيات ما لم يره غيرهم من الأمم؟! وقد فلق الله لهم البحر وأنجاهم من عدوهم وما جفت أقدامهم من ماء ا لبحر حتى قالوا لموسى: {اِجعَل لَنا إِلهاً كمَا لَهُم آَلِهَة قالَ إِنّكُم قَومٌ تَجهَلون} ولما ذهب لميقات ربه لم يمهلوه أن عبدوا بعد ذهابه العجل المصوغ، وغلب أخوه هرون معهم ولم يقدر على الإنكار عليهم، وكانوا مع مشاهدتهم تلك الآيات والعجائب يهمون برجم موسى وأخيه هرون في كثير من الأوقات والوحي بين أظهرهم!! ولما ندبهم إلى الجهاد قالوا {اِذهَب أَنتَ وَرَبُكَ فَقاتِلا إِنّا هَهنا قاعِدون} وآذوا موسى أنواع الأذى حتى قالوا: إنه آدر- أي منتفخ الخصية- ولهذا يغتسل وحده، فاغتسل يوما ووضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه فعدا خلفه عريانا حتى نظر بنو إسرائيل إلى عورته فرأوه أحسن خلق الله متجردا، ولما مات أخوه هارون قالوا: إن موسى قتله وغيبه.
فرفعت الملائكة لهم تابوته بين السماء والأرض حتى عاينوه ميتا، وآثروا العود إلى مصر وإلى العبودية ليشبعوا من أكل اللحم والبصل والقثاء والعدس. هكذا عندهم. والذي حكاه الله عنهم أنهم آثروا ذلك على المن والسلوى؛ وانهماكهم على الزنا وموسى بين أظهرهم وعدوهم بإزائهم حتى ضعفوا عنهم ولم يظفروا بهم، وهذا معروف عندهم، وعبادتهم الأصنام بعد عصر يوشع بن نون والسلوى؛ وإنهاكهم على الزنا وموسى بين أظهرهم وعدوهم بإزائهم حتى ضعفوا عنهم ولم يظفروا بهم، وهذا معروف عندهم، وعبادتهم الأصنام بعد عصر يوشع بن نون معروف، وتحيلهم على صيد الحيتان في يوم السبت لا تنسه، حتى مسخوا قردة خاسئين، وقتلهم الأنبياء بغير حق حتى قتلوا في يوم واحد سبعين نبيا، في أول النهار وأقاموا السوق آخره كأنهم جزروا غنما وذلك أمر معروف، وقتلهم يحيى بن زكريا، ونشرهم إياه بالمنشار، وإصرارهم على العظائم، واتفاقهم على تغيير كثير من أحكام التوراة، ورميهم لوطا بأنه وطىء ابنتيه وأولدهما، ورميهم يوسف بأنه حل سراويله وجلس من امرأة العزيز مجلس المرأة من القابلة حتى انشق له الحائط وخرجت له كف يعقوب وهو عاض على أنامله فقام وهرب. وهذا لو رآه افسق الناس وأفجرهم لقام ولم يقض غرضه، وطاعتهم للخارج على ولد سليمان بن داود لما وضع لهم كبشين من ذهب فعكفت جماعتهم على عبادتهما، إلى أن جرت الحرب بينهم وبين المؤمنين الذين كانوا مع ولد سليمان، وقتل منهم في معركة واحدة ألوف مؤلفة. أفلا يستحي عباد الكباش والبقر من تعيير الموحدين بذنوبهم؟! أولا تستحي ذرية قتلة الأنبياء من تعيير المجاهدين لأعداء الله؟! فأين ذرية من سيوف آبائهم تقدر من دماء الأنبياء ممن تقطر سيوفهم من دماء الكفار والمشركين؟! وألا يستحي من يقول في صلاته لربه: انتبه كم تنام يا رب استيقظ من رقدتك، ينخيه بذلك ويحميه من تعيير من يقول في صلاته {الحَمدُ ِلِله رَبِ العالَمين الرَحمنِ الرَحيم مالِكِ يَومِ الدين إِياكَ نَعبُدُ وَإِياكَ نَستَعين} فلو بلغت ذنوب المسلمين عدد الحصا والرمال والتراب والأنفاس ما بلغت مبلغ قتل نبي واحد ولا وصلت إلى قول إخوان القردة {إِنَّ اللَهَ فَقيرٌ وَنَحنُ أَغنياء} وقولهم {عَزير ابن الله} وقولهم {نَحنُ أَبناءُ اللَهِ وَأَحِباؤهُ} وقولهم: إِنَّ الله بكى على الطوفان حتى رمد من البكاء وجعلت الملائكة تعوده، وقولهم: إنه عض أنامله على ذلك، وقولهم: إنه ندم على خلق البشر وشق عليه لما رأى من معاصيهم وظلمهم، وأعظم من ذلك نسبة هذا كله إلى التوراة التي أنزلها على كليمه. فلو بلغت ذنوب المسلمين ما بلغت لكانت في جنب ذلك كتفلة في بحرس، ولا تنس قصة أسلافهم مع شاؤل الخارج على داود فإن سوادهم الأعظم انضم إليه وشدوا معه على حرب داود، ثم لما عادوا إلى طاعة داود وجاءت وفودهم وعساكرهم مستغفرين معتذرين بحيث اختصموا في السبق إليه فنبغ منهم شخص ونادى بأعلى صوته: لا نصيب لنا في داود ولا حظ في شاؤل، ليمض كل منكم إلى خبائه يا إسرائيليين، فلم يكن بأوشك من أن ذهب جميع عسكر بني إسرائيل إلى أخبيتهم بسبب كلمته، ولما قتل هذا الصائح عادت العساكر جميعها إلى خدمة داود، فما كان القوم إلا مثل همج رعاع يجمعهم طبل ويفرقهم عصى!!.

.فصل: افتراق اليهود، واختلاقهم كتاب علم الذباحة:

وهذه الأمة الغضبية وإن كانوا مفترقين افتراقا كثيرا فيجمعهم فرقتان القرابون والربانيون وكان لهم أسلاف فقهاء وهم صنفوا لهم كتابين: أحدهما يسمى المشنا ومبلغ حجمه نحو ثمانمائة ورقة، والثاني يسمى التلمود ومبلغه قريب من نصف حمل بغل، ولم يكن المؤلفون له في عصر واحد وإنما ألفوه في جيل بعد جيل، فلما نظر متأخروهم إلى ذلك وأنه كلما مر عليه الزمان زادوا فيهن وفي الزيادات المتأخرة ما ينقض كثيرا من أوله، علموا أنهم إن لم يقفلوا باب الزيادة وإلا أدى إلى الخلل الفاحش فقطعوا الزيادة وحظروها على فقهائهم وحرموا من يزيد عليه شيئا فوقف الكتاب على ذلك المقدار، وكان فقهاؤهم قد حرموا عليهم في هذين الكتابين مؤاكلة من كان على غير ملتهم، وحظروا عليهم أكل اللحمان من ذبائح من لم يكن على دينهم، لأنهم علموا أن دينهم لا يبقى عليهم مع كونهم تحت الذل والعبودية وقهر الأمم لهم إلا أن يصدوهم عن مخالطة من كان على غير ملتهم، وحرموا عليهم مناكحتهم والأكل من ذبائحهم، ولم يمكنهم ذلك إلا بحجة يبتدعونها من أنفسهم ويكذبون فيها على الله، فإن التوراة إنما حرمت عليهم مناكحة غيرهم من الأمم لئلا يوافقوا أزواجهم في عبادة الأصنام والكفر بالله، وإنما حرمت عليهم أكل ذبائح الأمم التي يذبحونها قربانا للأصنام لأنه سمى عليها غير اسم الله، فأما ما ذكر عليه اسم الله وذبح لله فلم تنطق التوراة بتحريمه البتة بل نطقت بإباحة أكلهم من أيدي غيرهم من الأمم، وموسى إنما نهاهم عن مناكحة عباد الأصنام خاصة وأكل ما يذبحونه باسم الأصنام، قالوا: التوراة حرمت علينا أكل الطريفا، قيل لهم: الطريفا هي الفريسة التي يفترسها الأسد والذئب أو غيرهما من السباع كما قال في التوراة ولحم في الصحراء فريسة لا تأكلوا وللكلب القوة فلما نظر فقهاؤهم إلى أن التوراة غير ناطقة بتحريم مآكل الأمم عليهم إلا عباد الأصنام وصرحت التوراة بأن تحريم مؤاكلتهم ومخالطتهم خوف استدراج المخالطة إلى المناكحة والمناكحة قد تستتبع الانتقال من دينهم إلى أديانهم وموافقتهم في عبادة الأوثان ووجدوا جميع هذا واضحا في التوراة اختلفوا كتابا سموه (هلكت شحيطا) وتفسيره علم الذباحة، ووضعوا في هذا الكتاب من الآصار والأغلال ما شغلوهم به عما هم فيه من الذل والصغار والخزي، فأمروهم فيه أن ينفخوا الرئة حتى يملؤها هواء ويتأملونها هل يخرج الهواء من ثقب منها أم لا فإن خرج منها الهواء حرموه، وإن كانت بعض أطراف الرئة لاصقة ببعض لم يأكلوه، وأمروا الذي يتفقد الذبيحة أن يدخل يده في بطن الذبيحة ويتأمل بأصابعه فإن وجد القلب ملتصقا إلى الظهر أو أحد الجانبين ولو كان الالتصاق بعرق دقيق كالشعرة حرموه ولم يأكلوه وسموه طريفا ومعنى هذه اللفظة عندهم أنه نجس حرام، وهذه التسمية عدوان منهم، فإن معناها في لغتهم هي الفريسة التي يفترسها السبع ليس لها معنى في لغتهم سواه، ولذلك عندهم في التوراة إن إخوة يوسف لما جاؤوا بقميصه ملطخا بالدم قال يعقوب في جملة كلام طاروف يطراف يوسف تفسيره: وحش ردي أكله افتراسا افترس يوسف، وفي التوراة ولحم في الصحراء فريسة لا تأكلوا فهذا الذي حرمته التوراة من الطريفا، وهذا نزل عليهم وهم في التيه وقد اشتد قرمهم إلى اللحم فمنعوا من أكل الفريسة والميتة، ثم اختلفوا في خرافات وهذيانات تتعلق بالرئة وقالوا ما كان من الذبائح سليما من هذه الشروط فهو دخيا وتفسيره طاهر، وما كان خارجا عن ذلك فهو طريفا وتفسيره نجس حرام ثم قالوا: معنى قوله في التوراة ولحم فريسة في الصحراء لا تأكلوه، للكلب القوة يعني إذا ذبحتم ذبيحة ولم توجد فيها هذه الشروط فلا تأكلوها بل بيعوها على من ليس من أهل ملتكم، قالوا ومعنى قوله للكلب القوه أي لمن ليس على ملتكم فهو الكلب فأطعموه إياه بالثمن، فتأمل هذا التحريف والكذب على الله وعلى التوراة وعلى موسى، ولذلك كذبهم الله على لسان رسوله في تحريم ذلك فقال في السورة المدنية التي خاطب فيها أهل الكتاب {فَكُلوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيباً وَاشكُروا نِعمَةَ اللَهِ إِن كُنتُم إِياهُ تَعبُدونَ إِنَّما حَرَمَ عَلَيكُم المَيتَةَ وَالدَمَ وَلَحمَ الخِنزير وَما أُهِلَ لَغَيرِ اللَهِ} الآية وقال في سورة الأنعام: {قُل لا أَجِدُ فيما أُوحيَ إِليَ مُحرَما عَلى طاعِمٍ يَطعَمُهُ إِلا أَن يَكونَ مَيتةً أَو دَما مَسفوحاً أَو لَحمَ خِنزيرٍ فَإِنهُ رِجسٌ أَو فِسقاً أُهِلَ لَغيرِ اللهِ بِهِ فَمَن اُضطُرَ غَيرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثمَ عَليهِ إِنَّ اللَهَ غَفورٌ رَحيم وعَلى الَّذَينَ هادوا حَرَمنا كُلَّ ذي ظُفرٍ وَمِنَ البَقَرِ وَالغَنَمِ حَرَمنا عَلَيهِم شُحُومَهُما إِلا ما حَمَلَت ظُهُورَهُما أَو الحَوايا أَو ما اختَلَطَ بِعَظم} فهذا تحريم زائد على تحريم الأربعة المتقدم، وقال في سورة النحل وهي بعد هذه السورة نزولا: {وَعَلى الَّذَينَ هادوا حَرَمنا ما قَصَصنا عَليكَ مِن قَبل} فهذا المحرم عليهم بنص التوراة ونص القرآن.
فلما نظر القرابون منهم وهم أصحاب عايان وبنيامين إلى هذه المحالات الشنيعة والافتراء الفاحش والكذب البارد على الله وعلى التوراة وعلى موسى وأن أصحاب التلمود والمشنا كذابون على الله وعلى التوراة وعلى موسى، وأنهم أصحاب حماقات ورقاعات، وأن أتباعهم ومشايخهم يزعمون أن الفقهاء منهم كانوا إذا اختلفوا في مسألة من هذه المسائل وغيرها يوحي الله إليهم بصوت يسمعونه الحق في هذه المسألة مع الفقيه فلان ويسمون هذا الصوت بث قول فلما نظر القرابون إلى هذا الكذب المحال قالوا: قد فسق هؤلاء، ولا يجوز قبول خبر فاسق ولا فتواه، فخالفوهم في سائر ما أصلوه من الأمور التي لم ينطق بها نص التوراة. وأما تلك الترهات التي ألفها فقهاؤهم الذين يسمونهم الحخاميم في علم الذباحة ورتبوها ونسبوها إلى الله فأطرحها القرابون كلها وألغوها، وصاروا لا يحرمون شيئا من الذبائح التي يتولون ذبحها البتة، ولهم فقهاء أصحاب تصانيف إلا أنهم يبالغون في الكذب على الله، وهم أصحاب ظاهر مجردة، والأولون أصحاب استنباط وقياسات.
فصل والفرقة الثانية يقال لهم الربانيون وهم أكثر عددا، وفيهم الحخاميم الكذابون على الله الذين زعموا أن الله كان يخاطب جميعهم في كل مسالة بالصوت الذي يسمونه بث قول وهذه الطائفة أشد اليهود عداوة لغيرهم من الأمم، فإن الحخاميم أوهموهم بأن الذبائح لا يحل منها إلا ما كان على الشروط التي ذكروها، فإن سائر الأمم لا تعرف هذا وأنه شيء خصوا به وميزوا بهم عمن سواهم، وأن الله شرفهم به كرامة لهم، فصار الواحد منهم ينظر إلى من ليس على نحلته كما ينظر إلى الدابة، وينظر إلى ذبائحه كما ينظر إلى الميتة، وأما القرابون فأكثرهم خرجوا إلى دين الله لأنهم أقرب استعدادا لقبول الإسلام لأمرين.. أحدهما إساءة ظنهم بالفقهاء الكذابين المفترين على الله وطعنهم عليهم.. الثاني تمسكهم بالظواهر وعدم تحريفها وإبطال معانيها.
وأما أولئك الربانيون فإن فقهاءهم وحخاميمهم حصروهم في مثل سم الخياط بما وضعوا لهم من التشديدات والآصار والأغلال المضافة إلى الآصار والأغلال التي شرعها الله عقوبة لهم، وكان لهم في ذلك مقاصد.. منها أنهم قصدوا بذلك مبالغتهم في مضادة مذاهب الأمم حتى لا يختلطوا بهم فيؤدي اختلاطهم بهم إلى موافقتهم والخروج من السبت واليهودية.. القصد الثاني أن اليهود مبددون في شرق الأرض وغربها وجنوبها وشمالها كما قال تعالى: {وَقَطَعناهُم في الأَرضِ أُمَما}.